صدر حديثا للدكتور نجيب اصليوة حيدو، استاذ مادة فلسفة علم الجمال ومادة التصوير السينمائي والتلفزيوني،  كتاب (فلسفة الصورة في السينما الامريكية المعاصرة)  وهو كتاب غني بالمعلومات ويشكل مصدر مهم للباحثين والاكادميين، حيث يرى المؤلف في مقدمة كتابة  إن الحقائق الخالصة وجوهر المعنى لا يكمن في الأشياء أو العناصر ذاتها, بل في العلاقات التي تحكم المعنى, متكلة على مفهوم البنيوية التي تعني النسق أو الكيفية التي ترتبط بها عناصر الكل بحيث يؤدي تغير أي عنصر إلى تغير في بقية العناصر, وفقاً لمبدأ الأولية المطلقة للكل على الأجزاء , لينطوي المجموع الكلي للعلاقات على دلالة, تفضي إلى معنى.
   لذا وعلى وفق هذا الفكر ممكن أن نصف ظاهرة النتاجات السمعية البصرية ومنها (الســينما) بأنها وسيط فاعل لحل أشكالات الصراع بين الإنسان والبيئة المحيطة به وهي واقعة متضمنة في صميم عملية الحياة والفن, فالتمثلات البنائية ظاهرة مستمرة لا تنقطع, ينتجها التفاعل القائم بين الإنسان والظروف المحيطة به. ومنذ بداية التصوير السينمائي ظل الإبهار الصوري هو الشغل الشاغل لهذا الفن وهو من أهم الوسائل التي تجذب المتفرج, وبدأت التقنيات والاختراعات تنمو بإطراد مع مرور الوقت حتى أضفت على السينما عوامل إبداع مضافة أسهمت في تعميق الفكرة واجتذاب المتفرجين. والسينما كأي عمل فني لا تكشف عن الأجزاء إلا كونها مندرجة في موقف كلي,  وأن القوة التعبيرية التي يمتاز بها الموضوع الفني إنما تنطوي على تداخل تام للمواد المتقبلة والمواد الفاعلة. لذا فإن التعبير في العمل الفني  ينجم عن مجمل العمل الفني وتواشج عناصره لا عن أحد العناصر. والفلم عبارة عن فضاء للعلامـات ذات التكوينات المختلفة والتي تتجسد من خلالها الفكرة (لسانية, وإيقونية), وتتعالق جميعاً لتحقق التمثلات البنائية المنتجة للمعنى.
وللسينما علاماتها الخاصة, رمزية, مجازية, كنائية. وأن كل ما يخص حقل الفن في الفلم السينمائي يمتلك دلالة , وينقل معلومة ما,  من خلال العلامة وتحولاتها إلى سلسلة لا متناهية من العلاقات التي تترك أثراً في نفس المشاهد , نتيجة تعدد طبقات المعنى داخل الفضاء الفلمي وتكون تلك التأثيرات بالغة التعقيد حيث يبدأ فعلها من الانطباع البسيط المتحصل عن المعنى المباشر الذي يمتلك خصوصية البناء المثالي, وصولاً إلى أعقد البنى السردية التي يحملها الفلم وكلها فاعلة ومؤثرة بفعل التمثل البنائي الذي تحضى به داخل المنجز الفلمي.
ولأجل إدراك التمثلات البنائية  في الفن وعلاقتها في الفلم السينمائي والعلامة وفهم الدلالة الفلمية , لابد من البحث والدراسة المستفيضين في هذا المجال وعليه فإن تسأولات كثيرة تطرح في هذا المجال . ما هي العلاقة الفلسفية للتمثلات البنائية في الفلم السينمائي وكيف تجري أنعكاساتها لإنتاج الدلالة الفلمية ؟  وما هي تحولات العلامة فيه لتدل سينمائياً عبر محور التمثيل للبناء ؟ وهل القوة التعبيرية تنسب إلى العناصر المرتبطة بالموضوع ؟. لذا تكمن هذه الدراسة وأهميتها كونها متخصصة بدراسة التمثلات البنائية وانعكاساتها على الفضاء السيميائي وإنتاج الدلالة الفلمية, وخصوصاً الأفلام الأمريكية التي تُعد الأكثر تجديداً وجرءاً. كما يخدم العاملين في مجال السينما والتلفزيون والمهتمين بهذين المجالين.
وعليه فإن التصور الذي نتطلع إليه يتضمن آستقراء التمثلات البنائيـة ونتناول فيها أنواع التمثلات  كذلك مستويات الدراسة البنيوية, ومن ثم دراسة التمثلات البنائية في النتاجات السمعية البصرية ومنها في السينما. كذلك بنية الدلالة وبنية المعنى ومنها البنية الدلالية, وعلاقة الدلالة بالمعنى, والمعنى والسياق, والمعنى والعلم. وأيضاً قراءة في تحولات العلامـــة التي تحتويها الصورة المرئية التي منها تنتج الدلالة. وهذا ما يذهب تصورنا إلى تلك الدلالات المنتجة من خلال التمثلات البنائية وتحولات العلامة المنتجة للدلالة في الفلم الأمريكي المعاصر. ومنها التمثل كبنية شكلية وعناصر اللغة السينمائية من آلة التصوير والإضاءة واللون والحركة في السينما والزمان والمكان والصوت من (حوار وموسيقى ومؤثرات) والصمت , ثم الملابس والديكور والمونتاج , كذلك التمثل كبنية ضمنية , ومن ثم البنية في الفلم الأمريكي المعاصر.

Comments are disabled.